كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن مسعود: في البنت وبنت الإبن وابن الإبن، أن للبنت النصف، والباقي بين الذكر والأنثى على التفاوت، كفرائض أولاد الصلب، إلا أنه قال: ما لم يزد نصيب بنات الابن على السدس، فلا نعطيهن أكثر من السدس، وجعل لهن الأضر من المقاسمة، أو سدس جميع المال.
فلم يعتبر الفرض على حدة هذه الحالة، ولا التعصيب على حدة، لكنه اعتبر القسمة في منع الزيادة على القسمة، فاعتبر المقاسمة في النقصان، وهو بعيد لا وجه له.
وإذا نحن بينا ميراث الأمهات والزوجات والأزواج ومن يحجبهن فيتعلق بما إليه، انتهى الكلام أن اللّه تعالى قال: {وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}، فاقتضى ذلك أن للأم الثلث والباقي للأب، إذا لم يكن ثم إخوة ولا أولاد ميت، فعلى هذا قال ابن عباس في زوج وأبوين: إن للأم الثلث الكامل، فيكون ميراثها، زائدا على ميراث الأب.
وكذلك قال في زوجة وأبوين.
وتابعه ابن سيرين في المرأة والأبوين وخالفه في الزوج والأبوين، لئلا يكون تفضيلا للأم على الأب.
واعلم أن الاستدلال بالقرآن في مخالفة ابن عباس ممكن هين، وذلك أن اللّه تعالى جعل الميراث بين الأبوين أثلاثا، مثل ما بين الإبن والبنت في قوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، وجعل بين الأخ والأخت أثلاثا، فإذا سمى للزوج والزوجة ما سمى لهما، وأخذا نصيبهما، كان الباقي بين الإبن والبنتين على ما كان قبل دخولهما، وكذلك بين الأخ والأخت، يجب أن يكون على هذه النسبة، فاعلم أن ذلك إنما يكون إذا كان الابن يأخذ بالعصوبة، فأما إذا كان يأخذ بالفرض فهو والأم سواء، فإنه إذا كان في الفرض أبوان وابن، فللأبوين السدسان والباقي للابن، لأنه لا عصوبة للأب أصلا مع الابن، وإنما يأخذ بالفرض، فكان الذكر والأنثى في هذا المعنى سواء كأولاد الأم.
وهذا يرد عليه الزوج والزوجة، لأنه جعل بينهما على نسبة التفاوت، مع أنهما يأخذان بالفرض المحض، وعلى أن الأب إذا كان يأخذ بالتعصيب في زوج وأبوين، فالعصب مانع، فلا نظر إلى التفصيل، وغاية ما يقال فيه أن عصوبة الأب غير متمحضة، بل هي عصوبة مشوبة بجهة الولادة، ولذلك يجمع له بين الفرض والتعصيب، فيجوز أن يكون جهة العصوبة بالابن الذي هو أولى العصبات، وأما تعطيل جهة الولادة فلا، وإذا لم يعطل جهة الولادة حال كونه عصبة، ولم تتمحض عصوبته، تعلق به على كل حال أن لا تفضل الأم على الأب مع تساويهما في الولاية، بل يراعى في حق الأب جهة الولادة وجهة العصوبة جميعا، وذلك يقتضي تفضيله عليها، فهذا منتهى الممكن في نصرة مذهب جماهير العلماء.
ونظر ابن عباس جلي جدا، وينشأ منه أن الجم الغفير إذا خالفوا النظر الجلي فلا يخالفون إلا بالتوقيف.
ويمكن أن يقال في مقابلته: وابن عباس إذ أظهر الخلاف، كان من الواجب أن يحتج عليه بذلك التوقيف، ولم يثبت ذلك، فهو مشكل والعلم عند اللّه تعالى.
وحاصل نظر الجمهور يرجع إلى أنه إذا وجب أن يبدأ بالزوجة أو الزوج، ويعطي كل واحد منهما نصيبه، فزال الفرض المنصوص لهما بالزوج والزوجة، لأن المنصوص لهما إذا لم يكن زوج ولا زوجة، فإذا أعطيناهما حقهما نظرنا إلى ما يبقى بعد ذلك، فيجعل بمنزلة جملة المال الذي لا فرض فيه لأحد الأبوين، فيقسم بينهما، فيعطي الأم ثلثه، ويعطي الأب ما بقي، لأن النقيصة لما دخلت عليهما من قبل الزوج أو الزوجة، وجب أن تكون داخلة عليهما على قدر حصصهما إذا لم يكن الأب في هذا الموضع بمنزلة العصبة الذين تبدأ بأهل الفرض، ثم يعطون ما بقي لأن أولئك غير مسمين، والأبوان إذا كانا هما الوارثان ففرض كل واحد منهما معلوم، فلما دخل عليهما فرض الزوج والزوجة دخل على كل واحد منهما بقدر حصته.
قوله تعالى: {وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (12)}:
قرئ: يورث بفتح الراء والتخفيف على ما لم يسم فاعله.
وقرئ: بكسر الراء والتخفيف وقد سمي فاعله.
فمن كسر، نصب كلالة على المفعول به، وجعلها اسما للورثة، وجعل الفاعل للتوريث هو الرجل الميت، وجعل كان يعني وقع وحدث، فلا يحتاج إلى خبر.
ومن قرأ بفتح الراء، نصب كلالة على الحال من الضمير في يورث، وهو ضمير الرجل، وجعل الكلالة اسما للميت، وجعل كان يعني حدث.
ويحتمل أن يجعل كلالة خبرا لكان.
فلم يختلف العلماء في أن الكلالة اسم لمن لا ولد له، واختلفوا في أنه هل هو اسم لمن لا والد له؟ فقال قائلون: هو اسم لمن لا ولد له، فبنوا عليه أن أولاد الأم لا يرثون مع الأب، لأن الكلالة اسم لمن لا ولد له، فأما من له والد، فليس خارجا من الكلالة.
واعلم أن هذا يتصل به مسألة أخرى، وهو أن اللّه تعالى يقول: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} الآية. فجعل للأخوات من الأب والأم الثلثين، وللواحدة النصف، وذلك لا يتصور مع البنت والأب، وسمى اللّه تعالى ذلك كلالة فقال: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ}، فأطلق اسم الكلالة، ولابد وأن يكون المعنى ها هنا: ليس له ولد ولا والد، فإن المذكور من الميراث لا يتصور إلا عند فقد الوالد والولد، ويدل على أن الكلالة اسم لمن لا والد له ولا ولد.
قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}، يقتضي أن يكون ذلك الباقي للأب، ثم قال: {فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}، فلم يجعل للإخوة ميراثا مع الأب، فخرج الولد من الكلالة والوالد جميعا، لأنه لم يورثهم مع الأب، كما لم يورثهم مع الإبن، والإبنة أيضا ليست بكلالة كالابن، فلا جرم أولاد الأم يسقطن بها، لأنه تعالى شرط في توريث أولاد الأم أن يكون الميت كلالة، أو الوارث كلالة، فإن ترك بنتا أو ابنتين وإخوة وأخوات لأم فالبنت ليست بكلالة، فلا يستحق الأخوات الثلث.
واختلف أهل اللغة في اشتقاق الكلالة:
فمنهم من قال: هو من قوله: كلت الرحم إذا تباعدت، ولحت إذا قربت، يقال هو ابن عمي لحا، أي هو ابن أخي، وهو ابن عمي كلالة، أي من عشيرتي. قال الشاعر:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة ** عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

يعني ورثتموها بالآباء لا بالإخوة والعمومة.
ويمكن أن يكون مأخوذا من الكلال وهو الإعياء، ومنه قولهم:
مشى حتى كل: أي بعدت المسافة فطال سيره حتى كل. وكلّ البعير إذا طال الطريق حتى أعيا، وكلّ السيف إذا طال الضرب به، وكلت الرحم إذا ضعفت فطال نسبه، فتكون الكلالة من بعد النسب وبعد القرابة.
وقيل: أخذ من الإكليل المحيط بالرأس.
وروي عن عمر في الكلالة بعد النسب وبعد القرابة روايتان مختلفتان، فتارة لا يجعل الوالد كلالة، وتارة كان يجعله كلالة.
وردّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم على عمر لما سأله عن الكلالة إلى آية الصيف.
ولا شك أن عمر لا يخفى عليه معنى الكلالة من جهة اللغة، وذلك يدل على أن معنى الكلالة شرعا غير مفهوم من الإسم لغة، ولذلك لم يجب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عمر عن سؤاله في معنى الكلالة، ووكله إلى استنباطه.
وفي ذلك دليل على جواز تفويض الإجماع إلى آراء المستنبطين، كما فوضها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إلى رأي عمر.
وفيه دلالة على بطلان قول من يقول: لا يجوز استنباط معاني القرآن، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»، فإن ذلك إنما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيمن قال فيه بما سنح في وهمه، وخطر على باله، من غير استدلال عليه بالأصول، وإن من استنبط معناه بحمله على الأصول المحكمة المتفقة فهو ممدوح.
بقيت هاهنا دقيقة أخرى وهي خاتمة النظر، وذلك أن الجد من حيث كان أصل النسب خارج عن الكلالة كالأب والابن، وعليه بنى العلماء سقوط أولاد الأم به، لأن اللّه تعالى شرط في ميراثهم عدم الولد والوالد، وفقد الأصل والفرع، ولا يتحقق ذلك مع الجد، وموضع اشتقاق الكلالة يقتضيه أيضا.
ولأجل ذلك قلنا إن آية الصيف تدل أيضا على أن الجد خارج، فإن اللّه تعالى شرط في وراثة الأخت نصف التركة أن تكون كلالة، فلا جرم لا ترث النصف مع الجد ولا الأخ يرثها مع الجد بل يقاسمها، واللّه تعالى إنما شرط الكلالة في استحقاق النصف فقط وذلك مشروط بعدم الجد.
ويدل عليه أن الكلالة لا تتناول البنت، والأخت ترث مع البنت، إلا أنها لا ترث على الوجه المذكور في آية الصيف وهو النصف، وإنما ترث الباقي من نصيب البنت، فهذا تمام معنى آية الكلالة، وقد وردت في آية الصيف عدة أخبار تركنا ذكرها للاستغناء عنها في فهم معنى الآية.
ومما استنبطه العلماء من آية الكلالة بعد فهم معناها مسألة المشركة، وقد اختلف فيها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فروي عن علي إسقاط أولاد الأب والأم، وروي عن زيد التشريك.
ولا شك أن ظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ}، يتناول أولاد الأم جملة، وقوله: {فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ}، يتناولهم من جهة الأب لا من جهة الأم، فتعين الجمع بين الاثنتين، فمتى أمكن التوريث بقرابة الأبوة، وجبت مراعاتها لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ}، معناه يرثها بقرابة الأبوة، وإن لم يكن التوريث بقرابة الأبوة، وجب اتباع ظاهر قوله: {فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ}، فأخذنا حكم التشريك والتعصيب من الآيتين الواردتين في حق الكلالة، وذلك بيّن نعم إذا فرضنا زوجا وأما، وأخا من أم، وإخوة من أب وأم، فلولد الأم السدس، والسدس الباقي بين أولاد الأب والأم، لأن قوله تعالى: {وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، ينفي التوريث بالفرض ما أمكن التوريث بالعصوبة، فإذا أمكن توريث بالعصوبة، وجب اتباع الآية الأخرى.
ومن يخالف هذا المذهب يقول: إنما جعل اللّه تعالى الإخوة شركاء في الثلث مبنيا على قوله تعالى: {فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}، ولا يتصور استحقاق السدس ها هنا، فتقدير الآية: للواحد السدس وللإثنين الثلث، ولا يتصور ذلك في ولد الأب والأم، فعند ذلك يضعف التعليق بالظاهر من حيث الاسم، ويبقى التعليق من حيث المعنى، وهو أنه لما جعلت قرابة الأمومة مورثة، وقد وجدت العلة المورثة في حق الأب والأم، فينجر الكلام عند ذلك إلى طريق المعنى.
وإذا ثبت الاستنباط من الكلام في مسألة المشركة، فالأخت مع البيت عصبة عند جماهير العلماء.
وقيل لابن عباس وابن الزبير: إن عليا وعبد اللّه وزيدا يجعلون الأخوات مع البنات عصبة، فقال: «أنتم أعلم أم اللّه؟»، يقول اللّه عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ}، فجعل لها النصف عند عدم الولد، فكيف تجعلون لها مع الولد النصف؟
وعامة العلماء يرون معنى الآية: إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكر، ولذلك قال: {وَهُوَ يَرِثُها} يعني الأخ، ولا شك أن الأخ يرث مع البنت.
ومثله قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ}، ومعناه عند الجميع: إن كان له ولد ذكر.
ولا خلاف بين الصدر الأول ومن بعدهم من الفقهاء، أنه لو ترك ابنة وأبوين، أن للبنت النصف وللأبوين السدسان والباقي السدسان والباقي للأب، ولو ترك ابنة وأبا فللبنت النصف وللأب النصف، وقد أخذ في هاتين المسألتين مع الولد أكثر من السدس.
والسر في ذلك أن الذي تأخذه الأخت بعد أصحاب الفرائض، ليس هو النصف الذي كان مفروضا لها، إذا لم يكن ولد، فإن ذلك فرض، وهذا مأخوذ بالتعصيب، لأنها عصبة فتأخذ الباقي، فتارة يكون الباقي نصفا، وتارة أقل من ذلك، وربما ترك الميت ابنتين فصاعدا فتأخذ الأخت ما بقي بعد الثلثين، وربما كان مع الأخت أخواتها، فيأخذون جميع ما يبقى، فعلم به أن الذي تأخذه الأخت في هذا الموضع، إنما تأخذه بمعنى غير المعنى الذي كان فرض لها مع البنت.